تقدم تدين الدعم السريع- تحول في موقف التنسيقية تجاه حرب السودان؟

المؤلف: ركابي حسن يعقوب09.29.2025
تقدم تدين الدعم السريع- تحول في موقف التنسيقية تجاه حرب السودان؟

في مدينة عنتيبي الأوغندية، أسدلت الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية، المعروفة بـ "تقدم" برئاسة رئيس الوزراء الأسبق، الدكتور عبد الله حمدوك، الستار على اجتماعات مكثفة استمرت عدة أيام، بدءًا من يوم الثلاثاء الموافق الثالث من ديسمبر/كانون الأول، وصولًا إلى يوم الجمعة، لتعلن في ختامها عن بيان ختامي شامل.

وقبيل انطلاق هذه الاجتماعات الهامة، صرح الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس التنسيقية، لوسائل الإعلام، بأن مسألة "نزع الشرعية عن حكومة بورتسودان" – على حد وصفه – تعد بندًا رئيسيًا مطروحًا على طاولة المفاوضات في اجتماعات تقدم، إلى جانب دراسة آليات أخرى مقترحة. وإلى جانب ذلك، دعت بعض الكيانات السياسية المنضوية تحت مظلة تقدم والمشاركة في الاجتماعات إلى تحقيق هدف نزع الشرعية عن الحكومة الحالية في السودان من خلال إعلان تشكيل حكومة منفى بديلة، إلا أن هذا المقترح لم يلقَ استحسانًا واسعًا بين مختلف مكونات تقدم.

والجدير بالذكر أن البيان الختامي للتنسيقية قد خلا تمامًا من أي إشارة إلى تشكيل حكومة منفى كبديل للحكومة القائمة في السودان، مما يعكس هيمنة التيار الرافض لهذه الخطوة داخل أروقة تقدم. وتعتبر هذه النقطة بمثابة الملاحظة الأولى الجديرة بالاهتمام في سياق تحليل محتوى البيان الختامي.

أما الملاحظة الثانية، والأكثر جوهرية، فتتمثل في أن البيان قد أدان بشكل صريح قوات الدعم السريع، التي تعتبر الذراع العسكرية لتنسيقية تقدم. وتعد هذه الإدانة بمثابة أول موقف علني واضح من قبل تقدم ينتقد حليفها العسكري، الدعم السريع. ومع ذلك، جاءت هذه الإدانة في البيان مصحوبة بإدانة مماثلة للقوات المسلحة السودانية والقوات المتحالفة معها، حيث ورد في البيان النص التالي: "أدان الاجتماع الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والقوات المسلحة والقوات المتحالفة معهما ضد المدنيين العزل". وقد وصف البيان هذه الانتهاكات بأنها ترقى إلى مستوى الجرائم، وشدد على ضرورة محاسبة مرتكبيها.

ويمثل هذا التطور تحولًا ملحوظًا في مسار الأحداث، وتعديلًا جوهريًا في موقف تقدم من الحرب الدائرة، حيث ظلت التنسيقية، طوال فترة الحرب التي تجاوزت شهرها العشرين، تتجنب بعناية توجيه أي شكل من أشكال اللوم أو الانتقاد لقوات الدعم السريع. بل على العكس من ذلك، فقد ظهر رئيس تنسيقية تقدم، الدكتور عبد الله حمدوك، في مناسبات عديدة جنبًا إلى جنب مع قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، وتقاسم معه منصة اجتماع خاص بتقدم، وتلاه مؤتمر صحفي مشترك بين الرجلين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في شهر يناير/كانون الثاني من هذا العام. وخلال ذلك المؤتمر، أعلن حمدوك عن استعداد قوات الدعم السريع لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح عدد من الأسرى والمعتقلين لديها، وهو ما لم يتحقق على أرض الواقع حتى الآن.

يثير هذا التحول العديد من التساؤلات المشروعة، من بينها: ما هو الدافع وراء هذا التأخر في إدانة قوات الدعم السريع طوال هذه الفترة الممتدة، على الرغم من الانتهاكات الفظيعة والمروعة التي ارتكبتها ووثقتها هي بنفسها، وشاهدها العالم أجمع عبر مختلف وسائل الإعلام والاتصال؟

وما السر وراء صدور هذه الإدانة في هذا التوقيت تحديدًا، الذي يشهد تقدمًا ملحوظًا للجيش السوداني والقوات المتحالفة معه على الأرض في جبهات القتال المختلفة في وسط السودان، وإقليم دارفور، وولاية الجزيرة؟ وهي المناطق التي أصبحت فيها قوات الدعم السريع محاصرة من جميع الجهات، ويشتد عليها الخناق، وتتكبد خسائر متتالية، مما جعلها تدرك أنها على أعتاب الانهيار، فآثرت أن تودع المشهد بخطاب سياسي جديد يفتح لها الطريق نحو العودة إلى الساحة السياسية السودانية مرة أخرى.

أم أن الأمر برمته له صلة بالضغوط والإدانات الدولية المتزايدة التي صدرت مؤخرًا من قبل دول ومنظمات ومؤسسات دولية، وخاصة بعد قيام قوات الدعم السريع بقصف متعمد، يومي الأحد والاثنين الماضيين، لمعسكر (زمزم) للنازحين في شمال دارفور، الأمر الذي أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من المدنيين الأبرياء في المعسكر. وقبل ذلك، وصف مجلس النواب الأميركي انتهاكات قوات الدعم السريع بأنها ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.

هل أدركت تنسيقية تقدم أخيرًا أن الصمت عن إدانة حليفها العسكري لم يعد مقبولًا ولا مجديًا، وأنه يتعين عليها أن تنضم إلى قافلة الإدانة خشية فقدان مصداقيتها ومكانتها أمام الرأي العام المحلي والدولي؟

أم أن الأمر يتعلق ببساطة بانتهاء دور قوات الدعم السريع وفقدانها لأي دور مستقبلي يمكن أن تقوم به في الشأن السوداني، وذلك بسبب انتهاكاتها وجرائمها التي لا تحصى؟ هل هذه هي بداية التخلص من أوزار وأثقال قوات الدعم السريع التي تحملتها التنسيقية على ظهرها طوال أشهر الحرب المريرة، على أمل أن يشفع لها ذلك عند الشعب السوداني، الذي أصبح – بسبب انتهاكات قوات الدعم السريع الوحشية – ما بين قتيل وجريح ومعاق ومهجر ولاجئ ونازح ومعتقل ومنتهك العرض؟

هل يمثل هذا الإعلان بداية لحقبة جديدة في مسار تنسيقية تقدم السياسي بعد أن خسرت رهانها على قوات الدعم السريع لتصدر المشهد السياسي وتولي زمام السلطة والحكم بالقوة؟

تتدافع الكثير من الأسئلة التي ستتكفل الأيام القادمة بالإجابة عليها، والتي يبدو أنها ستكون حافلة بالكثير من التطورات والمفاجآت غير المتوقعة. أسئلة محيرة، هل سينسى الشعب السوداني حقًا تجربته المريرة مع فظائع قوات الدعم السريع؟ وهل سيغفر لتنسيقية تقدم موقفها المنحاز لهذه القوات؟ وهل يستطيع قادة تقدم العودة إلى السودان من منافيهم لقيادة العمل السياسي فيه، أو حتى العيش فيه كمواطنين عاديين؟ وهل يمكن لأي صيغة تصالحية أن تذهب غيظ وغضب السودانيين الذين تضرروا بشكل مباشر أو غير مباشر من هذه الحرب اللعينة، وما ارتكبته قوات الدعم السريع من جرائم وانتهاكات لا تغتفر، بحيث يقولون بقلب صافٍ: "عفا الله عما سلف"؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة